مفسدات القلب و أسباب أمراضه:
** المفسد الأول - كثرة الخلطة
أثرها إمتلاء القلب من دخان أنفاس بني آدم حتى يسود.
و يوجب له هماً و غماً و ضعفاً و حملاً لما يعجز عن حمله من مؤنة قرناء السوء، و إضاعة مصالحه، و الإشتغال عنها بهم و بأمورهم. فماذا يبقى منه لله و الدار الآخرة؟
و قد ذكر الشيخ إبن القيم رحمه الله في كتاب بدائع الفوائد للناس أربعة أقسام:
أحدها: مَن مخالطته كالغذاء لا يستغنى عنه في اليوم و الليلة.
القسم الثاني: من مخالطته كالدواء يحتاج إليه عند المرض, فما دمت صحيحاً فلا حاجة لك في خلطته.
القسم الثالث: و هم مخالطته كالداء على إختلاف مراتبه و أنواعه و قوته و ضعفه, فمنهم من مخالطته كالداء العضال و المرض المزمن, و هو من لا تربح عليه في دين و لا دنيا, و مع ذلك لا بد من أن تخسر عليه الدين و الدنيا أو أحدهما.
الرابع: من مخالطته الهلك كله و مخالطته بمنزلة أكل السم, و هم أهل البدع و الضلالة الصادون عن سبيل الله و يبغونها عوجاً.
بحر التمنّي بحر لا ساحل له. البحر الذي يركبه مفاليس العالم و بضاعة ركابه مواعيد الشيطان و خيالات المحال و البهتان, و هي بضاعة كل نفس مهينة ليست لها همة تنال بها الحقائق الخارجية. فبينا هو على هذه الحال, إذ استيقظ فإذا يده الحصير.
و صاحب الهمة العالية أمانيه حائمة حول العلم و الإيمان و العمل الذي يقربه إلى الله و يدنيه إلى جواره. فأماني هذا إيمان و نور و حكمة. وأماني أولئك خداع و غرور.
المفسد الثالث - التعلق بغير الله تعالى
من أعظم مفسدات القلب على الإطلاق. فإنه إن تعلق بغير الله وكله الله إلى ما تعلق به, وو فاته تحصيل مقصوده من الله عز و جل بتعلقه بغيره. و بالجملة فأساس الشرك : التعلق بغير الله.
و مثل المتعلق بغير الله كمثل المستضل من الحر و البرد ببيت عنكبوت, أوهن البيوت.
المفسد الرابع - الشبع
وهذا نوعان :
أحدهما ما يفسده لعينه و ذاته كالمحرمات كالميتة و الدم و لحم الخنزير و ذي الناب من السباع و المخلب من الطير, و كالمسروق و المغصوب و المنهوب و ما أخذ بغير رضى صاحبه .
و الثاني: ما يفسده بقدره و تعدي حده كالإسراف في الحلال و الشبع المفرط. فإنه يثقله عن الطاعات و يشغله بمزاولة مؤنة البطنة و محاولتها حتى يظفر بها, فإذا ظفر بها شغله بمزاولة تصرفها ووقاية ضررها و التأذي بثقلها, و قوى عليه مواد الشهوة, و طرق مجاري الشيطان ووسعها. و من أكل كثيراً شرب كثيراً و نام كثيراً فخسر كثيراً
المفسد الخامس - كثرة النوم
فإنه يميت القلب و يثقل البدن و يضيع الوقت و يورث كثرة الغفلة و الكسل. و منه المكروه جداً و منه الضار غير النافع للبدن.
و أنفع النوم: ما كان من شدة الحاجة إليه. و نوم أول الليل أحمد و أنفع من آخره. و نوم وسط النهار أنفع من طرفيه. و كلما قرب النوم من الطرفين قل نفعه و كثر ضرره و لا سيما نوم العصر. و نوم أول النهار إلا لسهران.
و من المكروه عندهم: النوم بين صلاة الصبح و طلوع الشمس فإنه وقت غنيمة. فإنه أول النهار و مفتاحه, و وقت نزول الأرزاق و حلول البركة.
و كما أن كثرة النوم مورثة لسوء المزاج و يبسه, و انحراف النفس, و جفاف الرطوبات المعينة على الفهم و العمل, و يورث أمراضاً متلفة لا ينتفع صاحبها بقلبه و لا بدنه معها.و ما قام الوجود إلا بالعدل فمن اعتصم به فقد أخذ بحظه من مجامع الخير.
المفسد السادس - فضول النظر
مبدأ الفتنة من فضول النظر, كما قال النبي صلى الله عليه و سلم : ( النظرة سهم مسموم من سهام إبليس فمن غض بصره لله أورثه الله حلاوة يجدها في قلبه إلى يوم يلقاه).
فالحوادث العظام إنما كلها من فضول النظر فكم نظرة أعقبت حسرات لا حسرة .
المفسد السابع - فضول الكلام
و أما فضول الكلام فإنها تفتح للعبد أبواباً من الشر كلها مداخل للشيطان, و قد قال النبي صلى الله عليه و سلم لمعاذ: ( و هل يكب الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم).
إن هذه السبعة تطفيء نور القلب، و تعور عين بصيرته، و تثقل سمعه، إن لم تَصُمه و تُبكمه و تضعف قواه كلها. و توهن صحته و تُفتر عزيمته و توقف همته و تنكسه إلى الوراء.